احبتي .. اهلا ومرحبا لحضوركم . فان قرأتم فقد غمرتموني بلطفكم. فان اضفتم وعلقتم فهذا من فائض كرمكم . وان على الرحيل عزمتم فلنا أمل بلقاءكم
(الرجاء المشاركة بالاستطلاع اسفل الصفحة)
بحث مخصص

السبت، 15 يناير 2011

ستأتي ..عند الغروب ستأتي ..-قصة قصيرة

ستأتي عندالغروب ستأتي


على شاطيء البحر..وقبل الغروب بلحظات يقف ذلك الرجل كتمثال من الرخام  . متأملا الأفق !
ينظر الى لاشيء! ظل على حاله حتى اختفى قرص الشمس . ثم مشى مبتعدا عن البحر بخطوات رتيبة بطيئه
وهو يتمتم بشيء ما .

على مسافة غير بعيدة عنه  يربض كوخ قديم متهالك يبدوا كأكواخ صيادي السمك  يجلس امامه رجلان يجهزان شباكهما ..احدهما مسن تجاوز الستين من عمره ..يبدوا على وجهه الذي لفحته الشمس آثار السنين والآخر شاب في الثلاثينات.
كان الشاب ينظر الى ذلك الرجل متسائلا عن سبب وجوده وحيدا في هذه المنطقه البعيدة عن العمران ثم التفت الى الرجل العجوز وهو يسأله . من هذا الرجل ياعم سعد ؟
اجابه باقتضاب : لا اعرفه .
-ولكن ماسبب وجوده هنا ؟ لقد وقف ساكنا امام البحر لما يقرب من النصف ساعة ثم رحل !
-لاشأن لك به يا عادل .. دعه وشأنه .
-ولكن .. ماهي قصته؟
تنهد العم سعد وقد ادرك ان صاحبه لن يكف عن الأسئله : هذا الرجل يحضر الى هنا منذ بضعة اشهر ويقف كما رأيت ثم يغادر !

-الم يسبق ان سألته او تحدثت معه؟
-حاولت .. الا انه لا يردد سوى كلمة واحده !
-وما هي؟
-ستأتي .. ستأتي !!
-ومن هي هذه التي ستأتي ؟
-ربما كانت المرأة التي تأتي في اليوم التالي وتفعل نفس ما يفعله هذا الرجل !
-وهل هناك امرأة تأتي الى هنا ايضا ؟
-نعم .. انها تأتي يوما وتغيب في اليوم التالي  وهو ايضا يفعل ذلك  وكل منهما يأتي في اليوم الذي يغيب فيه الآخر ! وكأنهما قد اتفقا على ان لا يلتقيان ابدا !
- ياللمأساة !!!  ولكن الم تحاول ان تنبههما الى ذلك ؟
-بلى .. وليتني لم افعل !
- ولماذا ؟؟!!!
-ذات يوم .. استوقفت الرجل فيما كان يهم بالمغادره  وسألته  من تقصد  بقولك ستأتي ؟ فنظر الى بعينين خاويتين ثم ردد كعادته  ستأتي !.. ستأتي ! .  واستدار مغادرا . فقلت له : اذا كنت تقصد امرأة سمراء , مربوعة القامه وذكرت له اوصافها بكل دقة ثم اضفت اذا كنت تقصد هذه المرأة  فستجدها ها هنا غدا اذا حضرت في نفس هذا الموعد .  فنظر الي بدون ان يجيب ثم غادر.

-وهل حضر في اليوم التالي ؟؟
-نعم لقد حضر .. الا ان المرأة لم تحضر!!
-يالسوء الحظ!!
-لقد حضرت في اليوم الذي يليه ! وهكذا اصبح كل منهما يحضر في يوم الآخر!!!
-ياله من امر غريب بالفعل!.


في اليوم التالي حضرت المرأة وظل عادل يراقبها بصمت الى ان غادرت وهو ينظر اليها من بعيد وقد بيت في نفسه انه لابد ان يجمع بينهما .. وبأية وسيله.
في اليوم الذي يليه حضر الرجل ووقف كعادته ينظر الى الأفق حتى غربت الشمس ثم استدار عائدا من حيث اتى  وهو يتمتم ..ستأتي ..ستأتي  .

الا انه وجد عادل يقف امامه . نظر اليه الرجل بعينين خاويتين وهو يردد ستأتي ..ستأتي ..
قال عادل : ولم لا تنتظرها هنا حتى تأتي اليك ؟ . 
نظر اليه الرجل ثم قال : ستأتي ..ستأتي .. هي وعدتني بأنها ستأتي ..هي من قالت بأننا لابد ان نلتقي !.
ولكنها تحضر دائما فلا تجدك  .قال عادل ! . تجاهل الرجل كلامه ومشى مبتعدا عنه الا ان عادل لحق به وهو يقول :اسمع ياصاحبي .. لم لا تنتظرها هنا معنا في هذا الكوخ ليوم او يومين وانا واثق بأنها ستأتي وستراها

تجاهل الرجل قوله واستمر في المشي
لحق به عادل وهو يقول : اسمع ياصاحبي انا لا اعرف ماهي قصتك او قصتها وكيف لك ان تعلم بأنها ستأتي ..بل انني لا اعلم اذا ماكنت عاقلا ام مجنونا ولا اعلم ماهي المأساة التي ادت بك وبها الى هذا الحال ولكن ما اعرفه حق المعرفه هو انك يجب ان تنتظرها هنا لكي تلتقيا وقد آليت على نفسي ان اجمع بينكما مهما كلفني الأمر .



توقف الرجل ونظر اليه لبرهة ثم قال : اليك عني ايها الرجل .. دعني اذهب لحال سبيلي .. الآن ..الآن فقط اعلم بأنها لن تأتي .

مشى الرجل لبضع خطوات الا انه مالبث ان انكفأ على وجهه فقد انقض عليه عادل واخرج من جيبه حبلا واحكم ربط يديه خلف ظهره

ثم ساقه امامه متجها الى الكوخ. وهو يقول : اعذرني يا صاحبي انا افعل هذا لصالحك ولسوف تشكرني على ذلك .



كان العم سعد يجلس امام الكوخ وينظر الى الرجلين وهما يقتربان منه ثم لم يلبث ان لاحظ ان يدي الرجل مقيدتان خلف ظهره فنهض الى عادل وهو يقول : ماذا فعلت ايها المأفون ؟

-فعلت مايجب ان افعله !

-اترك الرجل ياعادل ..فك وثاقه ودعه يذهب الى شأنه .. ليس من حقك ان تملي عليه مايجب ان يفعله .

-سوف نستضيفه ليوم او يومين فقط ياعم سعد ..اعدك بذلك .

تنهد العم سعد .. وعلم ان لافائدة ترجى من الحديث معه .


في اليوم التالي وقبل الغروب بساعه كان الثلاثة يجلسون امام الكوخ وكان الرجل يجلس امامهم وهو ينكس راسه ويلوذ بالصمت .

عادل: اذا لم تأت اليوم فلابد انها ستأتي غدا .

سعد: وقد لاتأتي مطلقا .

-حتى لو لم تأت .. فلن نكون قد خسرنا شيئا وحسبي انني حاولت .



كان عادل يركز بصره على المكان الذي يقف فيه الرجل والمرأه ويمني نفسه بحضورها ولو في آخر اللحظات قبل غروب الشمس ولكن الشمس غربت ولم تحضر المرأة !



-يالسوء الحظ .. ماالذي يحصل ؟ لماذا تعاندنا الأقدار على هذا النحو؟!

-ربما نكون نحن من يعاندها ياولدي !

-حسنا ..سننتظر الى الغد .

-واذا لم تحضر .

-عندها فليس امامي سوى ان اطلق سراح هذا الرجل البائس .



في اليوم التالي تكرر نفس الأمر . جلس الثلاثة ينتظرون الى ان اختفى قرص الشمس داخل البحر مؤذنا بانتهاء ذلك اليوم



جلس عادل امام الرجل وهو يكاد يبكي من قهره . سامحني ياصاحبي .. يبدوا انني قد زدت الأمر سوءا عليك ولكنني لم اكن اقصد الا ان اجمعك مع من تحب ولم يكن لي اي صالح في الأمر ..



كان الرجل ينظر اليه بما يشبه الذهول ثم بدأت عينيه تذرفان الدموع .. اخذ يبكي بحرقة والم .



ماذا جرى لك ؟ هذه اول مرة اراك تبكي فيها على هذا النحو ! حسنا سأفك وثاقك الآن ثم سأوصلك الى بيتك بأمان و... .



تنبه عادل الى ان الرجل لاينظر اليه ..بل ينظر الى ما وراء كتفه متأملا الأفق .. وكذلك يفعل العم سعد



التفت عادل لينظر وراءه ..هناك حيث كان يقف الرجل دوما متأملا الأفق فرأى تلك المرأه تقف .. تقف حيث اعتادت دوما وتنظر الى البحر... ولكن لم تكن تلك هي المفاجأة..



بل ان ما فاجأه انها لم تكن لوحدها بل كان معها رجل .. رجل آخر يقف بجانبها وقد احاط كتفيها بذراعه وضمها اليه .



تسمر عادل مكانه ولم يقو على الحراك لبضع لحظات وهو ينظر اليهما وقد بديا في غاية الانسجام وقفا هناك لدقائق يتناجيان ثم رحلا

وقد امسك كل منهما بيد الآخر ..



نظر عادل الى الرجل فوجده قد نكس رأسه .



تقدم العم سعد من الرجل ورفع رأسه ونظر الى عينيه .. فلم يرى فيهما أثر للحياة !! وضع يده على صدره للحظات

ثم فك وثاقه وسجاه على الأرض واحضر غطاء من داخل الكوخ وغطاه به .



كان عادل في تلك اللحظات يقف وينظر اليه بذهول بينما عيناه تذرفان .. وهو يقول : ليتها لم تأتي ... ليتها لم تأتي .

ثم انطلق يجري الى حيث كانت تقف تلك المرأه .. وقف هناك وهو ينظر الى البحر متأملا الأفق



ثم اخذ يتمتم



ستأتي ..



ستأتي...

انتهت ,,,

مع تحيات / ابراهيم قراقوش

تابعوا:

سعودية من لبنان , رواية
حكايات عبودي , قصة
قصيدة الورد, مما اعجبني
بائع الحلوى , خاطرة

هناك 16 تعليقًا:

  1. من أجمل ما قرأت في حياتي
    أسلوب راائع وقصة جميلة ومحزنة

    ردحذف
  2. ما اروعها من قصة .. سلمت اناملك

    ردحذف
  3. نغم الروح
    كلماتك الكريمة تركت اثرا طيبا في نفسي

    اشكرك كثيرا

    ردحذف
  4. شهوده

    سلمتي اخيتي وشكرا كثيرا لك

    ردحذف
  5. صباحكم خير وطيبة

    ومدونة جميلة وراقية سرتني زيارتها

    دمتم بخير

    ردحذف
  6. أسلوب السرد رائع أخي....وفقك الله.

    ردحذف
  7. د.ريان صباحك معطر بالفل والكادي تشرفت بزيارتك وسررت لسرورك

    ردحذف
  8. البروفسر . شهادة اعتز بها من قدير مثلك

    تقبل تحياتي

    ردحذف
  9. انت قاص رائع بحق كلماتك ترنوا الى افاق الذهن

    فنستمتع بها حقا رغم حزن خاتمتها


    دومت رائع القلب و القلم


    مع ارق تحياتى لك

    ردحذف
  10. ما أجمل ما جسدت به مشاعر الرجل المحب المخلص, و ما أجمل ما صورت به اليأس و فقدان الأمل, أقصوصتك رائعة أحيييك أخي

    ردحذف
  11. ساره
    كلماتك اختي كالمطر ..عذوبة ونقاء ..

    تقبلي تحياتي,,

    ردحذف
  12. احمد
    اشكرك اخي كثيرا لتعليقكـ الجميل وروحكـ الطيبة

    دمت بود,,

    ردحذف
  13. قصه رائعه جدا
    استمتعت بها كثيرا رغم نهايتها الحزينه
    طالما سمعنا بان المراءه اكثر اخلاصا و وفاء من الرجل!
    هل كان الغرض هو قلب هذه المقوله وجعلها في مرمى الرجل!؟ :)

    تقبل خالص ودي واعجابي بالحكايه

    ردحذف
  14. مرحبا خجولة المبسم . ربما واقول ربما كانت المرأة اكثر وفاء من الرجل ولكن ليس هذا هو الغرض من القصة . الغرض هو اننا قد نفسد الأمور احياتا بتدخلاتنا الغير منطقيه أو نزيدا سوءاعلى الأقل
    خصوصا عندما نتدخل في مجريات الأمور بدون علم او خلفية عن مجرى الأحداث بينما لوتركنا الأمور تسير بطبيعتها لكان افضل . ارجوا ان اكون قد وفقت في ايصال وجهة نظري . ودمتي بألف خير

    ردحذف
  15. اهاه شيء جميل :)
    ربما انني نظرت إليها بمنظار آخر!
    شكرا لك
    وتقبل تواجدي :)

    ردحذف
  16. هانية الشرامي14 أكتوبر 2012 في 10:13 م

    قصة رائعة جدا جعلتني الشخصية الرابعة فيها لكني سبحت مع القرص و نمت أنتظر ظهوره مرة أخرى
    تحياتي لكم و لأسلوبكم الجميل و المميز

    ردحذف