احبتي .. اهلا ومرحبا لحضوركم . فان قرأتم فقد غمرتموني بلطفكم. فان اضفتم وعلقتم فهذا من فائض كرمكم . وان على الرحيل عزمتم فلنا أمل بلقاءكم
(الرجاء المشاركة بالاستطلاع اسفل الصفحة)
بحث مخصص

الثلاثاء، 1 مارس 2011

قطار الزمن ,قصة قصيرة

قطار الزمن ,قصة قصيرة.

دوت صفارة القطار في المحطة معلنة عن قدومه وتزامن ذلك مع اعلان المذيع الداخلي لركاب الرحلة عن توجههم الى البوابة استعداد للرحلة المتجهة الى مدينة الدمام.
نهض خليفة ابن الثالثة عشرة واخوه خالد الذي يكبره بعدة سنوات واتجها الى البوابة لركوب القطار الذي سيقلهما الى المنطقة الشرقية مسقط رأسهما حيث اعتادت الأسرة التي تقيم بمدينة الرياض أن تقضي جل الاجازة الصيفية بالمنطقة الشرقية من المملكة وقد سبقتهم الأسرة الى مدينة الدمام على أن يلحق بهم الأخوين بعد الانتهاء من بعض الارتباطات .


صعد خالد وخليفة الى القطار واتخذا مقعديهما بانتظار تحرك القطار وبدأ رحلته المعتاده فيما أخذ خليفة يتسلى كعادته بالتفرس في وجوه الركاب محاولا سبر اغوارهم .
على المقعد الخلفي  يجلس عدد من الشباب يثرثرون ويتبادلون الضحكات بين الحين والآخر.  و على المقعد المجاور تجلس عائلة من احد الجنسيات العربية مكونة من الأب والأم وفتاة في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمرها وطفل في السادسة  .كانت الفتاة تسترق النظر الى خليفة بين الحين والآخر  فيما لاحظ هو ذلك وكان مبتسما وقد داخله بعض الغرور .

آه كم أنا وسيم !! .. هكذا كان يردد بداخله .  نظر خليفة للمقعد التالي للعائلة فرأى رجل في العقد الثالث من عمره فيما يجلس بجوار النافذة رجل عجوز يناهز السبعين  ذو لحية بيضاء ويمسك بيده سبحة . تلاقت نظراته مع نظرات الرجل العجوز الذي كانت الابتسامة ترتسم على محياه فشعر خليفة بقلبه يختلج ! وشعر بانجذاب من نوع غريب  نحو ذلك الرجل وكأنه ينظر الى جده الذي توفي منذ  بضعة اعوام  . نظر خليفة الى اخيه الذي استغرق في النوم ثم اخرج كتابا من حقيبته وبدأ في القراءة. الا أنه شعر أنه لايستطيع التركيز فصورة الرجل العجوز لاتبارح مخيلته. .فكر بأن يذهب ليتبادل معه الحديث الا أنه أحس ببعض التردد .اعاد الكتاب الى حقيبته ثم اختلس نظرة سريعة على الفتاة التي تجلس بجوارهم  ونهض متجها الى الكافيتريا لتناول بعض المرطبات .

القى خليفة نظرة على الرجل العجوز وهو عائد الى مقعده فوجده يمسك بكتاب بين يديه وقد استغرق في القراءة فحسم أمر وبادر الرجل بالتحية.
-: مساء الخير يا جدي ..
نظر اليه العجوز نظرة حانية من فوق نظارته الطبية  وهو يقول :مساء الخير يا بني .
-:أرجوا منك المعذرة ان قاطعتك .. ولكن هل تسمح لي بالجلوس معك لدقائق .
أشار الرجل الى المقعد الخالي امامه وقال :تفضل يابني  على الرحب والسعة.
جلس خليفة مواجها الرجل وهو يقول : كيف حالك ياجدي .هل انت بخير؟
-:احمد الله يابني .شكرا لسؤالك .
-:مذ رأيتك وأنا اشعر بأنك لست بغريب عني ! فهل سبق وان التقينا؟
ضحك الرجل ضحكة خفيفة وصمت لبرهة ثم قال : لقد مرت علي الثلاثة عشرة سنة الأخيرة من عمري كلمح البصر .. هي بالنسبة لي جزء بسيط من حياتي بينما هي عمر بأكمله حتى هذه اللحظة بالنسبة اليك .  اعتقد ان فرص التقاءنا قبلا تظل محدوده! .
-ولكن.. ولكنك تبدوا مألوفا جدا لي !! وجهك .سماتك هيئتك . حتى هذه السبحة التي بيدك لاتبدوا غريبة علي!!

نظر الرجل الى السبحة واخذ يقلبها بيديه ثم قال : هل اعجبتك ؟
- :نعم ..ان منظرها جميل ولونها القرمزي هو المفضل لدي .
مد الرجل يده بالسبحة الى خليفة وقال :تفضل هي لك .
- :لالا ياجدي لم اقصد هذا .
-:اعلم ذلك يابني اعلم .. ولكن هي هدية مني اليك . اعتبرها تذكار من رجل عجوز التقيته ذات يوم .
-: ارجوا ان تعفيني من قبولها ياجدي فهي تبدوا غالية الثمن .
-:عندما يهديك رجل عجوز مثلي شيئا ما فاعلم انه يهديها اليك عن قناعة وطيب خاطر . فلا ترده خائبا .

تناول خليفة السبحة من يد الرجل وهو يشعر ببعض الحرج.
-:هل تعلم يابني ؟ . قبولك لهذه الهدية مني هو ذا قيمة اغلى من الهدية ذاتها . مهما كان ثمنها . لذلك لاتشعر بالحرج فأنا احب ان اراك متبسما ..ياخليفة .
نظر اليه خليفة بدهشة وقال : ولكن كيف عرفت اسمي ؟
ابتسم الرجل وهو يقول : سمعت اخاك يناديك عند صعودكما الى القطار .
                                                    ***************

وصل القطار لمحطته بعد رحلة مضنية استمرت لأكثر من خمس ساعات وفيما كان الركاب يتأهبون للمغادرة لم يفت خليفة ان يودع صاحبه العجوز فاتجه اليه وبادره بالحديث قائلا : أراك بخير ياجدي  . لقد استمتعت بالحديث معك .
-اراك بخير يابني .
-ترى هل سنلتقي مرة اخرى ؟
-من يدري يابني ..من يدري.. لعلنا نلتقي قريبا .
-ان ابي ينتظرنا بسيارته .. فمارأيك ان تصحبنا لنوصلك الى وجهتك ؟
-شكرا لك يابني .لاتقلق علي فمازلت اعرف طريقي جيدا .

وبحركة مفاجئة تناول خليفة يد الرجل العجوز وطبع عليها قبلة ثم غادر وهو يلوح له بيده .
مكث العجوز في مقعده لبرهة منتظراً أن يخف زحام المغادرين وقاوم جاهداً دمعة أبت إلا ان تفر من عينيه .

غادر خليفة برفقة أخيه وأبيه محطة القطار وهو لا يزال يفكر في ذلك الرجل العجوز والذي نسي في غمرة الحديث أن يسأله عن اسمهإلا أنه لم يلبث أن تناسى الأمر مع  مرورالزمن . وإن ظل يتذكره بين الحين والآخر .
                                                       ************

صعد الرجل العجوز إلى القطار في رحلة العودة إلى الرياض وأختار لنفسه مقعداً . وطفق يفكر متذكراً الأيام الخوالي وكيف انه مازال حريصاً على القيام بهذه الرحلة كل عام رغم عدم حاجته لذلك فهو يقوم بها فقط كتقليد اعتاد عليه وحنين يذكره بما مضى ثم راوده شعور غريب لم يزره منذ زمن طويل جداً .. شعر بأنه قد عاش هذا الموقف بكل تفاصيله من قبل ولكن متى؟! وكيف !؟..
 ياالله
ما أغرب هذا !. ذلك الفتى الذي يبدو أنه لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره .. لا شك بأنني قد رأيته من قبل !..
نعم .. أشعر بأنني قد عشت هذا الموقف بكل ما فيه ولكن .. هناك شيءما ! خاطر غريب ! يلح علي أن أتذكره !

السلام عليكم .. سمع الرجل هذا الصوت الذي قطع عليه خواطره فتأمل الفتى الواقف أمامه وهو يرد عليه التحية
-وعليكم السلام .
-هل تسمح لي بالجلوس معك لدقائق يا جدي .
-نعم يا بني تفضل بالجلوس .

جلس الغلام وهو يقول : كيف حالك يا جدي .. ارجو أن تكون بخير حال .
-انا بخير يا بني شكراً لك .
-ارجو المعذرة ياجدي .. هل سبق وإن رأيتك من قبل ؟
ابتسم الرجل العجوز ثم قال : إن لم يخب ظني فعمرك لا يتجاوز الثالثة عشرة . بينما قد تجاوزت أنا السبعين . لذلك لا أعتقد أننا التقينا . رغم أن ذات الشعور قد راودني عندما رأيتك يا خليفة .

نظر إليه الفتى بإستغراب ثم قال : ولكن  .. اسمي ليس خليفة يا جدي ! .. اسمي أمير ..
تبسم الرجل العجوز وقال : المعذرة يا بني يبدو أن الأمر قد اختلط علي .
-لا عليك يا جدي ولكن ما الذي  اوحي إليك بأن اسمي  خليفة ..
-لقد كان حدساً خاطئاً يا بني .. ربما لأن اسمي هو خليفة ..

لاحظ الرجل العجوز أن الفتى ينظر إلى السبحة التي يمسكها بيده فقال : هل أعجبتك هذه السبحة .
-إنها جميلة يا عم خليفة ولكن هل تصدق حتى هذه السبحة اشعر أنني قد رأيتها من قبل !
-هل تعلم يا بني .. لقد حصلت على هذه السبحة عندما كنت في مثل سنك .. أهداها إلي رجل لم انساه طوال عمري رغم أننا لم نلتقي إلا لساعات معدودة .

 قلب الرجل السبحة بيديه ونظر إليها ملياً وكأنه يحاول أن يطبع صورتها بذاكرته .. ثم ناولها للفتى وهو يقول :
-خذها يا أمير .. هي هدية مني إليك .
-لا ياجدي .. ارجو أن تعفيني من قبولها فهي تبدو عزيزة عليك .

ضحك الرجل ضحكة خفيفة ثم قال : لقد ذكرتني بعبارة سمعتها من قبل !. عندما يهديك رجل عجوز شيئاً ما فاعلم انه يهديك إياهاعن قناعة وطيب خاطر .. واعلم أيضاً أن قبولك لهذه الهديه هو أغلى عندي من الهدية ذاتها مهما كانت قيمتها .
                                            ********************

قبل ان يغادر أمير القطار لم ينسى أن يودع خليفة وأن يطبع قبلة حانية على يده .

مكث خليفة في مقعده منتظراً أن يخف زحام المغادرين وهو يفكر .. ترى هل سيجلس هذا الفتى في مقعدي هذا يوما ما .. لينتظر أن يخف الزحام قبل ان يغادر. من يدري !.. من يدري !.. آه يا قطار الزمن لا تتوقف عجلاتك عن الدوران ولا نشعر إلا وقد بلغت بنا  نهاية الرحلة ..

ترى ماذا كان اسم ذلك الرجل العجوز الذي التقيته قبل أكثر من خمسين عاما؟..
من يدري ربما كان اسمه .. أمير !.

تمت.
ابراهيم قراقوش

تابع ايضا
سعودية من لبنان .رواية








هناك تعليقان (2):

  1. حكايه عجيبه وغريبه
    دوامة الزمن ... تدووور!!
    ولا نعلم !

    تقبل تواجدي واعجابي بالحكايه

    ردحذف
  2. نعم دوامة الزمن تدور وتسرق كل لحظة بدون ان نشعر !
    شكرا لتعليقك وتواجدكـ الجميل

    ردحذف